رواية احرقني الحب الفصل التاسع 9 بقلم ديانا ماريا
الجزء التاسع
جمدت هديل للحظة وقلبها يكاد يتوقف ثم تمالكت نفسها واستدارت له.
هزت كتفيها وهي تحاول التحدث بنبرة طبيعية: كنت بشوف موبايلي أصلي مش لقياه وقولت أشوف هدومك وسخة ولا لا علشان ابعتها المغسلة مع هدومي لأني مش هقدر أغسل وعندي غسيل كتير.
ثم تابعت باستياء: لقيت هدوم كتير مش نضيفة في دولابك النهاردة علشان كدة لازم أغسل بسرعة.
حدق بها للحظة قبل أن يرد بتهكم: دلوقتي بقيتي زي القردة علشان خاطر الغسيل على العموم خديهم ياختي.
ثم تقدم من جانبها وأخذ الهاتف: أنا خارج بدل الملل ده.
حين خرج لم تضيع وقت وامسكت بهاتفها لتتصل بحسام الذي رد على الفور: أيوا؟
ردت هديل بانفعال: ايوا يا حسام أنا فتشت تليفون ظافر ولقيت في رسائل الواتس ميعاد العملية ومكانها.
أجاب باهتمام: طب كويس جدا امتى وفين؟
أخبرته بمكان وساعة العملية فشدد عليها أن تكون حذرة حتى لا يكشفها ظافر وفي اليوم المنشود تذهب لأهلها حتى تُأمن نفسها بشكل كامل أما هو فسيفعل اللازم.
بعد أن أغلقت معه جلست تفكر بتوتر فيما سيحدث ودعت الله أن تنجح جهودهم.
مرت الأيام مليئة بالانتظار والترقب على هديل التي كانت تحاول إخفاء توترها عن ظافر حتى لا يشك في شيء، في اليوم المنشود خرج ظافر باكرا فأخبرت حسام على الفور وبرغم أنه أخبرها أن تذهب لأهلها كانت متوترة للغاية ورغبت أن تجلس لوحدها وتنتظر ما سيحدث حتى لا يرى والديها عليها أي شيء لأنها لن تستطيع إخفاء قلقها.
حين مر النص الأول من النهار حاولت أن تُشغل نفسها في عمل أي شيء لأنها ستجن من التفكير حين فجأة سمعت صوت الباب يُفتح.
تركت ما بيدها بصدمة وخرجت للصالة لترى ظافر أمامها.
قالت بذهول: ظافر! أنت جيت؟ إزاي!
نظر لها ظافر بشك: يعني إيه جيت إزاي؟ هو مش ده بيتي اجي ولا إيه ياست!
حاولت التبرير بارتباك: ل...لا لا قصدي أنه لسة بدري على ميعادك إيه اللي جابك بدري كدة؟
نظر لها بعصبية ثم دفعها من أمامه بعنف: وأنا هستأذنك علشان اجي بيتي! أرجع وقت ما أحب أمشي من وشي.
ثم دخل لغرفة النوم وأغلق الباب ورائه بقوة، ظلت هديل واقفة مكانها تفكر بشكل محموم كيف عاد؟ أليس من المفترض أن هذا وقت العملية؟ وإن كان حسام أبلغ الشرطة فكان من المفترض أن يكونوا قد ألقوا القبض على ظافر مع بقية شركائه!
كان هاتفها في غرفة النوم فلن تتمكن من الإتصال بحسام الآن لذلك فكرت في الذهاب لأهلها، خطت لغرفة النوم وتوقفت حين سمعت صوت ظافر العالي من العصبية.
كان يتحدث على الهاتف فأرهفت السمع لتجده يقول بغضب: أنا مش عارف البوليس إزاي عرف مكان العملية وميعادها إحنا واخدين كل احتياطاتنا ده لولا أنه إحنا قدرنا ننفد كان زمان مقبوض علينا!
اتسعت عيون هديل بفهم وفي نفس الوقت أحست بخيبة أمل كبيرة لأن ظافر نجا من الشرطة، دخلت غرفة النوم فتوقف ظافر عن الكلام وأغلق الهاتف.
قالت بنبرة عادية: أنا خلصت كل اللي ورايا وكنت ناوية أروح لأهلي قبل ما أنت تيجي...
قاطعها بنفاذ صبر بإشارة من يده: عايزة تروحي روحي أنا مش طايق حد دلوقتي أمشي من وشي.
ارتدت ملابسها بسرعة وغادرت، في الطريق حاولت الإتصال بحسام أكثر من مرة دون رد مما جعلها تقلق وتتساءل أين هو ولماذا لا يرد عليها.
وصلت بيت أهلها لتخبرها والدتها حين رأتها أن إياد متعب للغاية.
ولجت هديل لغرفته وهي تقول بخوف: إياد حبيبي مالك؟
كان وجهه شاحب ويتنفس بصعوبة إلى حد ما.
قال إياد بتعب: مفيش يا ديلا أنا بس تعبت شوية فماما قلقت عليا أوي أنا كويس.
ابتسمت هديل ابتسامة ألم بشرود حين دعاها بالاسم الذي كان يدعوه بها حسام كتدليل لها.
ثم انتبهت لأخيها وقالت بحزم: لا ماما معاها حق أنت تعبان يلا علشان نروح للدكتور.
رفعت عيونها لوالدتها: يلا يا ماما ساعديه يلبس وأنا هستنى برة على ما أشوف التحاليل والأشعة بتاعته الدكتور يشوفها.
حين حاولت النهوض أمسك بيدها بقوة بدت غريبة بالنسبة لضعفه.
أصر بعناد: لا مش هروح للدكتور يا هديل أنا هفضل هنا في البيت.
رفعت حاجبها بتعجب لم يعجبها عنادها فردت: خلاص هكلم الدكتور يجي لحد هنا.
وقبل أن يبدي ردة فعل نهضت وخرجت لتتصل بالطبيب، كان والدها يجلس في الصالة فتجاهلته وهي تتصل لتخبره الطبيب بضرورة حضوره.
اندفعت والدتها بعدها بدقيقة تستنجد بها بقلة حيلة وهي تكاد تبكي: هديل إياد مش راضي يغير هدومه وبيقول أنه مش هيروح للدكتور أبدا ولا هيعمل عملية.
رفعت حاجبيها بدهشة: بيقول إيه ده؟ اتهبل ولا إيه؟
رد إياد الذي خرج ووقف مستندا على الباب بإصرار: لا متهبلتش يا هديل ومش هروح في حتة علشان ترتاحوا كلكم.
ذُهل الجميع من موقفه الغريب ونهض والده وهو يؤنبه: إيه اللي بتقوله ده يا ولد؟ هو إحنا بنعمل حاجة تضرك؟ كل ده لمصلحتك.
نظر إياد لوالده بنظرات غريبة ورد: أظن أنك آخر واحد تتكلم يا بابا.
صاح به والده بصدمة: أنت إزاي تكلمني كدة يا ولد!
تقدم إياد بتعب ووقف أمامه وقال بنبرة ثائرة: بقول الحقيقة أنك آخر واحد تتكلم بعد ما بيعت هديل علشان تعالجني.
صدم الجميع بشدة وخاصة هديل التي تسائلت كيف علم إياد بأمر كهذا؟
سألته هديل بحدة: أنت جيبت الكلام ده منين؟ غلط طبعا شيل كل الأوهام دي من دماغك.
التفت لها إياد بعيون تلمع بالدموع ورد بصوت متحشرج: لا مش أوهام أنا عرفت الحقيقة أخيرا رغم أني كنت أعمى،بيه اتجوزتي الرجل ده مع أنه شكله مجنون وأكبر منك وليه استحملتي السنين دي مع أنه شكلك كل مرة بيبقى مش كويس كنت صغير مش فاهم لكن دلوقتي كبرت ومش هسمح لك تضحي بأي حاجة تانية علشاني.
ردت هديل بصوت مرتجف: ا.. إياد!
اقترب منها إياد يتوسلها قائلا: ارجعي لينا تاني يا هديل سيبي الرجل ده أنا مش هعمل عمليات مش هيبقى له حكم عليكي المهم مش هسيبك كدة تاني، أنا مش فارق معايا أموت.
شهقت وهي تضع يدها على فمه لتمنعه من مواصلة الكلام.
نهرته قائلة بعتاب: إيه الكلام ده؟ مش عايزة اسمعك بتقول كدة تاني ولتاني مرة هقولك كلامك غلط يلا نروح للدكتور علشان يشوف مالك.
جز على أسنانه بحرقة: أنتِ برضو لسة مصرة؟ أنا مش هروح لدكتور يا هديل مش هدفعك اللي باقي من عمرك تمن علشان أعيش أنا!
بكت والدتها بينما نظرت هديل في عيون أخيها بقوة وقالت بصوت متهدج: وأنا كنت اشتكيتلك؟ أيوا ضحيت علشانك فيها إيه؟ ومستعدة أعمل اللي عملته تاني وتالت علشانك أنت علشان تعيش! متعملش فيا كدة دلوقتي وتضيع كل صبر السنين دي على الفاضي، اتعالج يا إياد اتعالج ولو علشان خاطري أنا.
انهمرت الدموع من عيون إياد الذي رفض بشدة: وأنا مش هعمل كدة هديل مش هسيبك تحت رحمته تاني ارجعي تاني وأنا لو ربنا كاتب لي أعيش هعيش بس أنا مش هعيش وأنا شايفك بتموتي قدامي.
ثم استدار لوالده المحني رأسه وقال ببغض: مش هسيبك تدفعي تاني التمن علشان عندك أب أناني.
رفع والده رأسه بدهشة بينما تابع إياد بحقد: أب رماكي في النار ووقف يتفرج عليكِ راجل ميستاهلش يتقال عليه أب أصلا.
ارتفعت يد رضوان في الهواء وهبطت على خد إياد بصفعة قوية قائلا بغضب: أخرس يا قليل الأدب.
وقع إياد على الأرض من أثر الصفعة فصرخت هديل وأعمال بذعر، تسارعت أنفاس إياد لثانية قبل أن يفقد الوعي فركعت هديل بجواره صارخة بإسمه.
صرخت برعب: إياد! إياد يا حبيبي فوق ورد عليا !
رفعت وجهها لوالدها تبكي بانهيار: حرام عليك! حرام عليك اللي بتعمله فينا ده حرام عليك!
ضربت وجهه بخفة فلم يستفق نظرت حولها تحاول التفكير في أي شيء ليساعده، حين لم تجد نهضت بسرعة وخرجت من الشقة وجدت حسام يصعد السلم فأسرعت إليه تقول برجاء: حسام! ألحق إياد يا حسام واقع ومش بيرد الحقه بالله عليك.
لم ينتظر حسام وركض للشقة ليجد إياد ممدد على الأرض وفاقد الوعي يحاول والداه افاقته دون فائدة على الفور حمله بين ذراعيه وهبط السلالم بسرعة ليلحق به الجميع.
كانت سيارته مركونة أمام مدخل العمارة فأخبر هديل بحزم: افتحي الباب بسرعة.
أطاعته على الفور فوضع إياد بالداخل بينما ذهبت هديل من الناحية الأخرى حتى تسند إياد.
ركبت والدتها بجانب إياد بعد أن ابتعد حسام ليصعد إلى مقعد السائق، وقف رضوان متردد للحظات ثم صعد بجانب حسام لينطلق حسام بأقصى سرعته.
حين وصلوا للمستشفى أخذ الأطباء إياد على الفور للطوارئ بينما وقف الجميع في الخارج، وكأن المشهد يعيد نفسه بالنسبة لهديل وكما حدث منذ خمس سنوات كانت تقف خائفة وعاجزة ترجو الله أن يُنجي أخيها..
كان حسام يقف بعيدا بعض الشيء حتى يترك لهم بعض الخصوصية، حين خرج الطبيب أسرع الجميع إليه.
سألته هديل بلهفة: إياد عامل إيه يا دكتور؟
تنهد الطبيب ورد بصراحة: الحقيقة وضعه مش كويس ولازم يعمل عملية فورا
ثم تابع باستفسار: هو عمل عمليات قلب قبل كدة؟
أجابته هديل بصوت مخنوق: ايوا يا دكتور من حوالي خمس سنين كدة عمل عملية ومن فترة فيه دكتور قال إنه محتاج واحدة تانية.
أومأ الطبيب بجدية: فعلا ومش لازم نستنى أكتر من كدة.
اندفعت هديل على الفور ترد بعاطفة: طبعا أعمل اللي تشوفه لازم ولو على الفلوس أنا هجيبها فورا المهم إياد يقوم بالسلامة.
لم تنتبه لنظرات حسام المركزة عليها بتفكير.
قالت هديل لوالدتها بثبات منفعل: أنا هروح أجيب الفلوس واجي علطول يا ماما مش هتأخر.
استدارت لتغادر بسرعة حتى أنها لم تنتبه لحسام حتى سمعت يناديها باسمها بصوت عالي من ورائها: هديل!
وقفت للحظات، كانت هذه أول مرة تسمعه فيها يناديها من أكثر من خمس سنوات كاملة.
التفتت له ببطء بينما اقترب منها حسام بوجه قاتم حتى وقف أمامها.
نظر في عيونها بعيون لم تخف المعاناة فيهما وسألها بصوت ملئ بالمرارة: أنتِ اتجوزتيه ليه؟
أغلقت عيونها فورا ورأسها ينحني للأسفل ثم فتحت عيونها ونظرت إليه، هالها ما تراه على وجهه من عذاب وألم.
نظرت له بثبات وردت بصوت سقيم: علشان خاطر إياد.... كان تعبان زي دلوقتي ومحتاج عملية وظافر كان موجود بفلوسه والمقابل كان.... كان أنا.
أغمض عيونه بشدة وقبض على يده.
تابعت هديل بوجوم: إياد كان محتاجني وده كان واجبي اتجاهه مقدرتش أقف واتفرج عليه ببساطة.
ترددت لثانية قبل أن تقول بوجه خالي من التعبير: ولو رجع بيا الزمن تاني هختار نفس اختياري...هختار إياد.
التفتت لتذهب من أمامه بخطوات سريعة قبل أن يرى الدموع اللي بدأت في الهبوط على خديها، لم ترى الألم على وجهه ولم ترى تلك الرطوبة التي تجمعت في عيونه المغلقة ورغم محاولاته السيطرة عليها إلا أنا هناك واحدة أفلتت من جفونه المعلقة هابطة على خده.
كانت هديل تفكر في طريق عودتها للمنزل كيف ستطلب المال من ظافر في حالته العصبية تلك ولكنها تحتاجه فستجمع كل شجاعتها لأجل أخيها.
قلقت من أن يكون قد خرج مرة أخرى فتلك ستكون عقبة أمامها لأنها لن تتمكن من إيجاده بسهولة.
وصلت للمنزل وفتحت الباب وهي تلاحظ هدوء المنزل، فكرت أنه ربما خرج فتقدمت لغرفة النوم وفتحتها كان الظلام يسيطر عليها ولكنها لاحظت وجود جسد على السرير فاطمئنت أن ظافر لم يخرج ولكنه نائم فقط.
سارت حتى جانب السرير ثم مدت يدها لتضئ المصباح الموجود على المنضدة التي بجانب السرير.
ما إن فعلت حتى صرخت بصوت عالي من الرعب وعيونها تكاد تخرج من مكانهما من الصدمة رجعت للوراء ويداها على فمها بعدم تصديق من هول المنظر.
شحبت شحوب الأموات وانهارت على قدميها وهي تستوعب المشهد الذي أمامها، كان ظافر ممدد على السرير ولكن هناك سكين مغروس في صدره والدم منتشر حولها بغزارة.
كانت تتنفس بصوت عالي وترتجف بشدة لم تمر لحظة حين تم اقتحام المنزل ووجدت هديل الشرطة أمامها وضابط الشرطة يقول لها بصرامة: مدام هديل رضوان أنتِ مقبوض عليكِ بتهمة قتل جوزك ظافر حسنين!
#يتبع.
#أحرقني_الحب.
بقلم ديانا ماريا